|
|
||
|
دمعة .. فابتسامة
هو لي! كلمات ليست غريبة ولا عجيبة تلك التي تخرج من فم هذا الطفل ذو التاسعة من عمره ، استغراب من هذه الدنيا وما تفعله هذه الدنيا به وربما ما ستفعله به . ولد دون أبٍ وقد توفيت والدته وهي تولده ولم يجد مكانه ولا أسرته ، ولا أعوانه ولا قريته ، ولا وطنه ولا عشيرته ، وأصبح يتسول في الشوارع بحثاً عن الطعام والماء. لا يعرف كيف عاش ووصل التاسعة من عمره ، هل هي الصدفة؟ أم هي أحوال غيره من عمره؟ حيرة ! أم هل صدمة ؟ صدمة هذا الكون الواسع المخيف الذي لا يعرف ماذا يكن له. دخل الكوخ ، وأي كوخ ، ذلك الكوخ البسيط الذي لم يصل إلى درجة التواضع ، بل ربما تستحي كلمة تواضع أن تُطلق على هذا الكوخ ، وعلى رغم ذلك عندما جاء هذا الطفل إلى كوخه وجد هناك شيخاً كبير السن عرفه من صرخته التي جعلت هذا الطفل يرجف ويسقط على الأرض هاوياً ، كأن رعداً ضربه وصدمه وأيقظه وأفاقه ، وجعله للحظة لا يلتفت إلى ما وراءَه من أمور ويتطلع إلى الحياة بإشراق وتفاؤل ناسياً همومه وأحزانه ، كل هذا من صرخة قوية ! فماذا ترى سيحصل عندما يقوم بالتكلم معه ومحاورته؟ نظر الطفل إلى عيني الشيخ وعيناه تمتلأ بالخوف ، وكأنه يمتثل أمام القاضي ، ولكن القاضي هنا هو من سيحاسبه على يأسه وتهاونه وضعفه ، ثم قال الشيخ: بماذا تنتظر؟ فأجاب الطفل بصوتٍ خافت : أنتظر باليوم الذي أرى فيه حريتي ، أنتظر باليوم الذي سيزول به الظلم ويحل العدل وآخذ حقي من هذه الدنيا الغادرة الظالمة ، قل لي ماذا أعمل؟ أتسول في الشوارع ، أجوب البلاد بحثاً عن الطعام ، أعمل خادماً ، وأعمل صانعاً وأعمل وأعمل.. قل لي إذاً ماذا أصنع؟ بكى الشيخ لشدة تأثره بهذا الطفل الذي يمثل أطفالاً لا بل لا أبالغ إن قلت أجيالاً ، أجيالاً مرت بسنواتٍ عديدة تحاول الإجابة عن سؤال هذه الحياة .. أتستطيع العيش؟! سؤال قد لا يستطيع الإنسان الإجابة عنه بل قد لا يستطيع أن يتفهم معناه ويرى حقيقته وأصله. ثم نهض الشيخ وقال للطفل كلمة واحدة ألا وهي " الحياة " ثم انصرف خارجاً من الكوخ. بدأ الطفل يتفكر في هذه الكلمة التي عنت له الكثيرثم نهض من كرسيه وذهب خارجاً مقبلاً على الحياة سعيداً يعمل ليومه ولا ينظر لماضيه ويقول مردداً : الآن عرفت معنى الحياة .
جواد سلمان |
||
|
Jawad Salman |
الصفحة الرئيسة |
النادي الأدبي |
الشعر |
الخواطر
| القصص |
|